وردة: صوت صداح ممتلئ بقدرات فنية تكاد تكون متكاملة فهي ذات حضور مؤثر على جمهورها وتستطيع بأدائها الجميل المتميز أن ترضي الحضور والمستمع والمتلقي حيث إنها تنتقي كلمات أغانيها انتقاءً دقيقاً وكأنها تلتقط من سلة الفاكهة أنضجها وأحلاها وأطعمها. كذلك بالنسبة لاختيار الألحان التي تتعامل بها, فإن الفنانة القديرة (وردة) تتصل وتحاور وتنسق مع الملحنين ذوي الخبرة المقرونة بالتطور الذي يحاكي أذواق ورغبات الجمهور صاحب الأذن المثقفة الذي يريد فناً ناضجاً خالياً من الشوائب التي تأنفها المسامع الذواقة.
-كان ظهور الشابة الوافدة من بلد الجزائر الذي يعيش حالة صراع مع الاستعمار الفرنسي ظهوراً لفت الأنظار من خلال الأوبريت الوطني نشيد (الوطن الأكبر) الذي ساهم في أدائه نخبة من الأصوات المرموقة في الوطن العربي وفي مقدمة تلك الأصوات الفنان الراحل عبد الحليم حافظ وفنانات مشهورات مثل نجاة الصغيرة وشادية وصباح وفائدة كامل وقد كان لمشاركة الفنانة الجزائرية (وردة) مع هذه الباقة خاصية ما زال المتلقي العربي يختزنها في ذاكرته علماً أن الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب هو الذي لحن هذا العمل الفني الكبير.
-فقد
كان للفنانة وردة مساهمة في نشيد (الوطن الاكبر) وكانت تتغنى ببطولات الجزائر المكافحة ضد الهيمنة الاستعمارية.
(وطني يا ثورة على استعمارهم أن جزايرك نار دمرهم
لو نستشهد كلنا فيه
صخر جبالنا راح يحاربهم)
(من هي وردة الجزائرية؟
-اسمي الصريح وردة محمد فتوكي جزائرية الأصل, فرنسية الولادة, مصرية المنشأ ومن أم لبنانية, ذلك أن والدي كان مقيماً في باريس فكانت ولادتي هناك. وكان يملك ملهى يسمى (تم تم) وقد كان في هذا المكان نشاطي الأول في الغناء حيث كنت أؤدي فيه وصلات غنائية وعمري 12 سنة لكبار المطربات العربيات مثل أم كلثوم ونور الهدى وأسمهان.
وقد كان الجمهور العربي المتواجد في باريس يأتي إلى الملهى ويتمتع بسماع تلك الأغاني التي تشده إلى الوطن وتساعده في الهروب من ألم الغربة إلا أن السلطات الفرنسية أغلقت هذا الملهى فانتقلنا إلى لبنان بلد أمي وأصبح لي أغانيُّ خاصة وابتعدت عن التقليد ثم سافرت إلى القاهرة بعد أن تأكدت بأنني أصبحت متمكنة من نفسي ومطلوبة من قبل متعهدي الحفلات.
اشتركت بعدد من الأفلام الغنائية بعد أن انحسرت هذه الأنواع من الأفلام وخاصة الاستعراضية منها لكثرة النفقات وعدم وجود النصوص الملائمة ولوجود القدرة الادائية للفنان والمطرب والممثل أمثال ليلى مراد وشادية وعبد الحليم ومحمد عبد الوهاب. وقد اشتركت في تمثيل فيلم (المظ وعبدة الحامولي) مع المطرب الراحل عادل مأمون فبدأت نجاحاتي تقلق الآخرين في الوسط الفني وبما أنني حديثة العهد على تلك الساحة والوسط قررت الخروج بسلام وعدت إلى الجزائر بلدي الأصلي وتزوجت. وأنجبت (رياض ووداد).
لم أستطع قلع جذور الفن من أعماقي فكان هاجسه يؤرقني ويعيش معي في كياني. فكانت العودة إلى عالم الأضواء والفن في بداية السبعينيات في حفل غنائي أقيم في الجزائر وقد غنيت لحناً لبليغ حمدي وتم طلاقي من زوجي الأول وعدت إلى القاهرة ودخل بليغ حمدي في حياتي بقوة وبحب شديد. فقد كان فناناً كبيراً ورائعاً وأمل الموسيقى العربية كما عبر عنه الراحل عبد الحليم.
-تقول الفنانة وردة عن ارتباطها بالفنان الراحل بليغ حمدي: تزوجت بليغ حمدي بأمر صادر من قلبي وقد أحببته فعلاً وتزوجته بالرغم من معارضة أسرتي في وقتها لكونهم سمعوا عن بليغ ما لا يسرهم, من أن زواجي منه زواج مصلحة إضافة إلى شخصيته البوهيمية التي يعيشها فعلاً.
لقد تعاون معي في تقديم أجمل الألحان من خلال موسيقاه الحالمة وكلمات شعراء أكفاء مشهود لهم بجمالية الكلمة وقد عشت معه سبعة أعوام إلى أن تم طلاقي منه عام 1979.
-ما هي الأفلام التي اشتركت فيها غير الفيلم السابق؟
-كان لقائي الأول مع الراحل الفنان القدير رشدي أباظة في فيلم (أميرة العرب) كذلك اشتركت معه في فيلم (حكايتي مع الزمان) وفي هذا الفيلم وأثناء التصوير حدثت طرفة جميلة حيث كان المخرج الراحل حسن الإمام يصرخ مستغيثاً من بطل الفيلم رشدي الذي يرفض أن تتركه البطلة وتذهب لغيره (سمير صبري) فكان الفنان الراحل رشدي أباظة يقول للمخرج من هذه التي تجرؤ على ترك رشدي والذهاب إلى غيره وفعلاً تم تغيير النهاية وفق ما أراده البطل وليس المخرج.
-وقد شاركت في فيلم (صوت الحب) مع الفنان حسن يوسف وهو الفيلم الأول بعد عودتي إلى القاهرة وكنت خائفة ومرتبكة وكنت أعيد المشهد مرات عديدة حينها صاح الفنان حسن يوسف مازحاً وهو يقول (والنبي يا وردة لو عملتي فيلم ثاني ما تبعتليش)
-وتستذكر الفنانة وردة آخر لحن قدمه لها الراحل بليغ حمدي فتقول: حين عاد من فرنسا إلى مصر استقبلته وكانت دموعه تسقط من عينيه وقد هزني هذا المنظر فطلبت منه لحناً فأعطاني أغنية (بودعك).
-محمد عبد الوهاب أروع من قابلت في حياتي ومرحلة نضجي الحقيقي فقد كان فناناً بكل ما تحمل كلمة فنان من صدق وقد كنت أزوره في بيته ومن أطرف ما لاحظته هناك في داره أنه حين يتناول قهوته يطلب من مقدمها أن يقسم أغلظ الأيمان بأنه غسل الفنجان ونظفه تنظيفاً صحيحاً فهو حساس وقلق جداً على صحته ولا يقابل أي شخص إذا علم أنه مريض أو مصاب (بالزكام).
أنا باستمرار أتواجد في باريس للعلاج والاستماع لنصائح الأطباء المشرفين على حالتي الصحية وأحياناً لتلبية الدعوات الموجهة لي من قبل الجاليات العربية لتقديم الجديد من الألبومات الغنائية المطلوبة هناك.
-وتقول الفنانة القديرة وردة الجزائرية عن أداء بعض المغنيات في هذه الفترة إنها ظاهرة تجعل من المطربة تعرض مفاتنها أكثر مما تبدع في أدائها وتهتم بجمال صوتها وحفظ المقامات وأنواع الموسيقى وإن اعتماد التكنولوجيا الحديثة بهذا الإسراف وخاصة (الفيديو كليب) لا يتيح للمتلقي أو المشاهد أن يحفظ كلام الأغنية فهو يضيع بمتاهة التصوير والحركات السريعة والأجساد التي تهتز وحتى الموسيقى غير موزونة ومتشابهة الإيقاعات والأنغام وهذه ظاهرة سوف تنتهي كما انتهت من قبلها موجات غير ملتزمة ولا يصح إلا الصحيح. ويبقى الفن الأصيل أصيلاً والهابط ينتهي وينسى.