وردة وبليغ : حدوثة حب وفن من الزمن الجميل 2

بدأ بليغ حمدي حياته الفنية مطرباً بالإذاعة بفرقة «ساعة لقلبك» لكن بليغ كان يتجه بقوة نحو عالم التلحين حيث تم اعتماده ملحناً بالإذاعة المصرية بعد أن اقتنع محمد حسن الشجاعي رئيس الإذاعة وقتها بموهبته في التلحين.
بدأ بليغ يشق طريقه في عالم الموسيقى بقوة وثبات حيث تعانقت ألحانه مع صوت العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ عام 1958م في أغنية «تخونوه» ومنذ ذلك الحين ظهرت سمات بليغ الشخصية وانعكست في ألحانه.. فكان الشجن صفة مميزة لكل ألحانه مع جميع المطربين الذين تعامل معهم.
صادف بليغ في مطلع حياته حسن الحظ حينما توطدت صلته بالفنان محمد فوزي الذي رأى فيه موهبة كبيرة.. وفي إحدى الأمسيات في مطلع الستينيات من القرن الماضي.. وجه محمد فوزي الدعوة إلى بليغ حمدي لحضور إحدى الحفلات الخاصة في منزل الطبيب المشهور زكي سويدان، وكان من بين المدعوين كوكب الشرق أم كلثوم، وطلب محمد فوزي من بليغ حمدي غناء آخر ألحانه.. وبدأ بليغ حمدي يدندن على عوده مقطعاً من أغنية «حب إيه» من كلمات الشاعر الراحل عبدالوهاب محمد وكان صديقاً لبليغ ورفيقاً لمشوار حياته وكان يعمل مهندساً في إحدى شركات البترول ويهوى كتابة الشعر والأغاني.
وأغنية «حب إيه» كانت لها قصة أشبه بالمأساة في حياة بليغ حمدي، فقد أحب بليغ حمدي في مطلع شبابه الفنانة المشهورة سامية جمال إحدى نجوم السينما في الخمسينيات والستينيات وتقدم لخطبتها.. بالفعل تمت الخطوبة، وبعد فترة قامت سامية جمال بفسخ خطوبتها من بليغ دون إبداء أي أسباب الأمر الذي سبب لبليغ حزناً عميقاً، وألح عليها كثيراً للرجوع عن قرارها.. وفي يوم من الأيام ذهب بليغ إلى منزل سامية جمال ليؤكد لها حبه العميق فكانت إجابتها «حب إيه اللي جاي تقول عليه» وبذلك انتهت القصة بينهما كما رواها شقيق بليغ الأكبر الأستاذ مرسي سعد الدين.
لكن ظلت جملة «حب إيه اللي أنت جاي تقول عليه» تداعب أذن بليغ حمدي بالرغم من أنها كانت بمثابة طعنة في قلبه.. فطلب بليغ حمدي من صديقه المهندس الشاعر عبدالوهاب محمد كتابة أغنية يكون مطلعها هذه الجملة.. فكانت أغنية «حب إيه».
وحين استمعت كوكب الشرق لمطلع هذه الأغنية حين غناها بليغ في وجود الحاضرين في منزل الطبيب زكي سويدان.. طلبت منه إعادتها مرة ومرات.. ثم أخبرته بأنها تريده في منزلها في صباح اليوم التالي، لم يخطر ببال بليغ حمدي أن كوكب الشرق تريد اللحن لنفسها.. ولم يحلم بليغ وهو مازال في العشرينات من عمره أن تغني كوكب الشرق من ألحانه.. لكن المعجزة حدثت فقد اكتشفت أم كلثوم بذكائها الشديد أنها أمام موهبة متدفقة في التلحين وعقل يملؤه الحب وقلب صادق في عاطفته. فكان اللقاء الأول بين بليغ حمدي وكوكب الشرق عام 1960م في أغنية «حب إيه».. وكان بليغ حمدي وقتها لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره. فكان عام 1960م بداية حقيقية لميلاد العبقري بليغ حمدي.. حين دخل عالم التلحين من أوسع أبوابه بجانب عمالقة التلحين رياض السنباطي ومحمد القصبجي وزكريا أحمد الذين اقترن اسمهم بكوكب الشرق.
تعددت اللقاءات بعد ذلك بين بليغ حمدي وكوكب الشرق في روائع خالدة.. هي في نظري أجمل ما شدت به أم كلثوم.. فكانت أغنية «ظلمنا الحب» عام 1962م وأغنية «كل ليلة وكل يوم» عام 1963م و«سيرة الحب» عام 1964م، و«بعيد عنك حياتي عذاب» عام 1965م و«فات الميعاد» عام 1967م، و«ألف ليلة وليلة» عام 1969م، وأغنية «الحب كله» عام 1971م.. ويكفي العبقري الراحل بليغ حمدي شرفاً أن آخر ما شدت به أسطورة الغناء العربي أم كلثوم من أغنيات كان من ألحانه وهي أغنية «حكم علينا الهوى» عام 1973م.. توفت أم كلثوم بعد أن سجلتها بصوتها ولم يمهلها القدر أن تغنيها في حفلة من حفلاتها.
بعد هذه الروائع أصبح بليغ حمدي واحداً من أهم عباقرة التلحين الذين سطروا تاريخ أم كلثوم الفني وأحد أهم من قاموا بالتلحين لها.
وهنا لابد أن أتوقف عند محطة هامة.. وهي التركيبة الشخصية والنفسية لبليغ حمدي، فقد كانت لبليغ شطحات مثل كثير من العباقرة فكان يعيش حياة غير منظمة.. كثير السهر ومتقلب المزاج.. وكان كثيراً ما يقيم علاقات عاطفية فاشلة.. تحول معظمها إلى ألحان خالدة.. كما سبق وأن ذكرت في أغنية «حب إيه».